مقالات

أسير درجة ثالثة

عدت بالأمس من عطلة قصيرة لعدة أيام إلى دولة مجاورة. وقد اخترت أن أسافر بالحافلة لأقضي وقتاً أطول أشاهد المناظر ولا أتعب نفسي بالقيادة وبالتالي أحصل على أكبر قدر من الاسترخاء.

وكان على متن الحافلة أناس من جنسيات مختلفة منهم الأتراك ومنهم البلغار ومنهم العرب سواء من حاملي الجنسيات الأوروبية مثلي أو من حاملي الجنسية العربية الأصلية ، وكان هناك أيضاً بعض الغربيين من جنسيات مثل أيرلندا أو بريطانيا و غيرها.

الصفة المشتركة بين هؤلاء الناس هو أنه ينطبق عليهم كونهم أسرى للنظام العالمي ، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في درجة الأسر. فمنهم أسرى درجة أولى ممن يحمل الجنسية الأمريكية أو الأوروبية الغربية مثل البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية أو ما شابه. ومنهم أسرى من الدرجة الثانية ممن يحمل جنسية أوروبية شرقية مثل البلغار أو البولنديين أو التشيك أو الروس. ومنهم أسرى من الدرجة الثالثة ممن يحمل مثل هذه الجنسيات عبر التجنس وليس بالأصالة -كحالتي-   ثم يأتي الأتراك في الدرجة الرابعة على هذا السلم. وهكذا يستمر النزول حتى الدرجة العاشرة أو ربما بعدها حيث تقبع كثير من الجنسيات العربية مثل السورية أو العراقية أو المصرية أو اليمنية ، وإن كانت بعض الجنسيات العربية تقع في مرتبة أعلى مثل الخليجية لأهميتها للغرب وللنظام العالمي ولأسباب أخرى.

كون الجميع أسرى للنظام العالمي وأسياده الذين صاغوه على مدى القرون الماضية (خاصة القرون الثلاثة الأخيرة) ، أقول كوننا جميعاً أسرى لأننا لا نستطيع التحرك إلا بأوراق ثبوتية تصدرها وكالات هذا النظام في كل بلاد العالم ، فلا يقبل منك شهادتك عن نفسك التي بين جنبيك بأن تقول أنا فلان ابن فلان ، ولا يقبل منك أن تقول أنا هنا وأنا حي إلا أن تثبت ذلك بأوراق أصدرها وكلاء هذا النظام في كافة البلدان.

وكوننا أسرى لأنه ليست لنا حرية التحرك والسفر والعمل والتجارة خارج حدود السجن المخصص لكل فرد منا ، وهو الدولة القومية التي تنتمي إليها أو تقيم فيها بإذن إدارتها الخاضعة للنظام العالمي. ولا يمكنك الخروج من هذا السجن ودخول سجن آخر إلا بموافقة السجانين في كلا السجنين.

ولكن التحرك بين السجون له أيضاً شروطه، وهنا يأتي تصنيف السجناء ومراتبهم ، فالسجناء من الدرجة الأولى يكون من السهل عليهم التحرك بين السجون دون عناء كبير فيتم منحهم إذن الدخول مباشرة على أبواب السجن التالي ، بينما يتوجب على السجناء من الدرجة الرابعة وتحتها الحصول على إذن مسبق (تأشيرة الدخول) من إدارة السجن الذي يريدون دخوله ، وربما ينتظر السجين أسابيع حتى يعطى الإذن. أما الأسرى من الدرجات المنخفضة فلا يؤذن لهم حتى بمغادرة سجونهم أبداً أو يغادرونها إلى سجون أقل درجة.

وهكذا فالجميع أسرى وسجناء عند أسياد النظام العالمي الذي لا يحمل بعضهم حتى جواز سفر مثل الملوك كملكة بريطانيا الراحلة وابنها ملك بريطانيا الحالي وغيرهم. فهؤلاء من ضمن أسياد هذا النظام ولا يحتاجون إلى إثبات شخصية ولا إلى جواز ولا إلى إذن مرور ، لأنهم رؤوس السجانين ونحن أسرى عندهم.

ومن ظواهر الأسر أيضاً حريتك في قول الحق والتعبير عنه ، فلهذه حدود داخل السجن الواحد ، وتتفاوت من سجن لآخر ، وكلما كانت درجتك في الأسر كلما سُمح لك بالتعبير عن نفسك ورأيك شرط ألا تتعدى حدود ذلك السجن أيضاً.

وكوننا أسرى هي الحقيقة التي يعملون جاهدين منذ عقود لإخفائها ويزورون التاريخ و يضللون الناس عن الواقع الحقيقي الذي يخفونه عن طريق التعليم والإعلام وكل وسائل الإلهاء كي يسيطروا على وعي الناس عامة والمسلمين على الخصوص فيتأخر الوقت الذي يستفيقون فيه من سباتهم العميق وهم على يقين بأننا سنستفيق يوماً لأن هذا هو وعد الله لهذه الأمة.

ولهذا تشرئب أعناقنا نحن المسلمين إلى دولة الإسلام التي تزيل هذه الأسوار المصطنعة والتي حولت العالم الإسلامي إلى سجون قومية تفرق بين المسلمين على أساس القومية المنتنة (كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم) وتفسح الطريق لتحرير الأسرى والتمتع بالحرية والكرامة داخل ربوع العالم الإسلامي ممتد الأطراف ، بل وتحرير كل أسرى العالم من تلك السجون الضيقة. وهذه هي المهمة التي فهمها الصحابة وعاشوها وقضوا نحوبهم يحققوها لكل البشرية ، فهذا الصحابي ربعي ابن عامر يجيب قائد الفرس قبيل معركة القادسية عندما سأله ما الذي جاء بكم؟ فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

ونحن نؤمن يقيناً أن هذا سيحدث في النهاية عندما يأذن الله لهذه الأمة أن تقوم فتحرر هؤلاء الأسرى من رق النظام الدولي ، وسأكون سعيداً جداً إذا أدركني ذلك الزمان وتخلصت من أسري ودرجتي كأسير درجة ثالثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى