النظام العالمىخبر وتعليق

بعد موافقة هيئة الغذاء والدواء: شريحة إيلون ماسك الدماغية ومستقبل البشرية

نيورالنك

نشرنا هذا المقال وترجمنا هذا المقطع قبل سنتين وحذرنا من تداعيات هذه التكنولوجيا ذات الحدين. وبعد حصول شركة نيورالنك مؤخراً على موافقة هيئة الغذاء والدواء على بدء التجارب السريرية على الإنسان ، فإننا نعيد نشر المقال والمقطع لاهميته بدون أي تغيير فيه.. وهذا هو المقال والمقطع كما نشر في إبريل 2021.

أصدرت شركة “نيورالنك” لأبحاث الدماغ، التي يملكها رجل الأعمال، إيلون ماسك، مقطع الفيديو هذا حيث يظهر فيه قرد (من نوع المكاك) -اسمه بيجر – يلعب لعبة فيديو بعقله، بحيث تُنْقَل الإشارات الصادرة من دماغه لاسلكياً عبر زوج من الشرائح المزروعة في دماغه.

كيف يحرك الجسم أطرافه

لفهم كيفية عمل الشرائح الدماغية هذه ، علينا أولاً أن نتعرف على الطريقة التي يقوم بها الجسم بتحريك أطرافه. العملية باختصار هو أن الله خلق المخ ووصله بجميع أجزاء الجسم عبر شبكة ضخمة من الألياف العصبية . تبدأ العملية بإرادة الشخص تحريك أحد أطرافه -ذراعه أو يده مثلاً- في اتجاه معين. يقوم جزء الدماغ المختص بحركة ذلك الطرف -الذراع أو اليد – بتوليد إشارة كهربائية تسري في الألياف العصبية الموصلة إلى تلك الذراع أو اليد فتصل في النهاية إلى العضلة المسؤولة عن حركة الطرف فتنقبض العضلة بوصول تلك الإشارة الكهربائية إليها مسببة الحركة المقصودة في الاتجاه الذي يقصده الشخص. تتم هذه العملية بطريقة تلقائية سريعة للغاية ، ويتعلم الطفل المولود وهو مازال في مهده تفعيل هذه القدرات ، فيتعلم كيف يحرك يده أو رجله أو أي جزء من جسمه بإصدار الإشارة المخية المناسبة خلال السنة الأولى من حياته … فسبحان الله الخلاق العليم.

كيف تعمل الشرائح

إذاً فعملية تحريك الأطراف منبعها الدماغ الذي يصدر تلك الإشارة الكهربائية في المنطقة المخصصة من المخ. تعمل فكرة الشرائح على إدخال عدد كبير من الأقطاب الكهربائية الحساسة جداً في منطقة الدماغ المخصصة لحركة الطرف المطلوب تحريكه (اليد مثلاً) ، لرصد نشاط المخ الكهربائي في تلك المنطقة. تقوم تلك الأقطاب بنقل الإشارات الصادرة من الدماغ عبر الشريحة الدماغية لا سلكياً إلى جهاز كمبيوتر متطور. وفي نفس الوقت ، تُرْصَد حركة اليد ويتم الربط بين الحركات المختلفة لليد في الاتجاهات المختلفة وبين ما يصل لجهاز الكمبيوتر من الإشارات الكهربائية. يعمل الكمبيوتر على تحليل الإشارات للربط بين كل نوع من الإشارات وبين نوعية الحركة الصادرة وبهذا يتم حل شفرة الإشارات الكهربائية ، وتخزين حل تلك الشفرة في جهاز الكمبيوتر المخصص الذي يسمى في هذه الحالة جهاز فك الشفرة. يمكننا حينئذ أن نترجم إشارات الدماغ ونحولها مباشرة إلى الجهاز المطلوب تشغيله ( جهاز الألعاب في حالة القرد) ، فعندما يفكر القرد في تحريك يده لأعلى فإننا ننقل هذه الإشارة ونحولها إلى أمرٍ لجهاز الألعاب بأن يحرك المضرب لأعلى بنفس القدر المطلوب تماماً كما يريد القرد وبدون استخدام عصا التحكم. وبهذا فإن القرد لا يحتاج أن ينقل الحركة عبر يده وعصا التحكم ، بل بمجرد التفكير تتنقل الإشارة مباشرة عبر الشريحة والكمبيوتر إلى جهاز الألعاب فتحرك له المضرب الحركة المطلوبة. هذا التقدم التكنولوجي الفذ له تطبيقات عملية مفيدة جداً للبشرية ، ولكن يمكن أيضاً استخدامه في تطبيقات خطيرة جداً.

التطبيقات العملية المفيدة

يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في التغلب على حالات الشلل ، كما قالوا في الفيديو. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين أصيبوا بالشلل بسبب تلف الألياف العصبية الناقلة لإشارة الدماغ ، فيمكننا التغلب على ذلك عبر نقل إشارات الدماغ مباشرة إلى العضلات  عبر تلك الشرائح الدماغية فيحرك ذلك الإنسان أطرافه بمجرد التفكير في الحركة. ويمكن أيضاً نقلها إلى أجهزة حركة صناعية مثبتة في الأطراف المبتورة أو في حالة موت العضلات. المهم أن التغلب على الشلل أو فقدان الحركة في الأطراف هو أحد التطبيقات  المفيدة المتعددة لهذا التقدم التكنولوجي. وعلى هذا المنوال يمكن مساعدة كثير من المعاقين لغوياً في التعبير عن أنفسهم بالحديث أو الكتابة على شاشة كمبيوتر. وكان إيلون ماسك قد تحدث سابقاً أنه يمكن استخدام هذه الشرائح الدماغية لتسريع عملية الإدخال (التفاعل) لشخص عادي مع أجهزة الكمبيوتر. فبدلاً من استخدام لوحة المفاتيح وإدخال الحروف واحداً بعد الأخر في عملية بطيئة ، فإنه يمكن للشخص أن يتفاعل مباشرة مع الجهاز بسرعة تفكيره وليس بسرعة حركة أصابعه على لوحة المفاتيح، وهذا فرق كبير جداً في السرعة. وهنا نصل إلى الحد الفاصل بين التطبيقات المفيدة والتطبيقات الخطيرة.

التطبيقات العملية الخطيرة لهذه التكنولوجيا

هناك نوعان من التطبيقات الخطيرة جداً لهذه التكنولوجيا المتطورة أولها هو ما يندرج تحت ما يسمى الثورة الصناعية الرابعة التي بدأت في زماننا الحالي. ولعل الكثير منا قد تعرف على مفهوم الثورة الصناعية الرابعة الذي يتردد كثيراً مؤخرا في أروقة المنتدى الاقتصادي العالمي وخاصة عقب صدور الكتاب الذي يحمل نفس الاسم “الثورة الصناعية الرابعة” والذي ألفه مؤسس ومدير المنتدى كلاوس شواب. تقوم فكرة الثورة الصناعية الرابعة على تغيير الإنسان نفسه -كما قال كلاوس شواب نصاً- عبر دمج الخصائص البيولوجية للإنسان بالرقمنة (أي الكمبيوتر) والذكاء الإصناعي والآلة. وللمنتدى الاقتصادي العالمي مقالات وفيديوهات عن تطبيقات تلك الثورة وكيف ستغير الإنسان نفسه لانتاج نوع جديد محسن من البشر الذين يمكنهم العمل بكفاءة عالية لتشغيل ماكينة الاقتصاد في الشركات العملاقة الممثلة في المنتدى الاقتصادي العالمي. وللاختصار فإنه يمكن تزويد هؤلاء العمال -وكل البشرية لو أرادت- بتلك الشرائح الدماغية التي تتواصل مع الإنترنت -عبر شبكة الجيل الخامس- للحصول على أي معلومة بمجرد التفكير فيها عبر الموسوعات المتوفرة على الشبكة. بل يمكن حتى التحدث بلغة أجنبية تماماً عبر الانترنت أيضاً ، فبرامج الترجمة الفورية الصوتية والكتابية كثيرة وتتطور باستمرار. وعلى ضوء هذا نفهم مغزى الإصرار على نشر تلك الشبكة من الجيل الخامس السريعة في كل جوانب المعمورة رغم مخاطرها المحتملة ، ونفهم أيضاً أن إيلون ماسك نفسه -الذي يملك شركةسبيس إكس الفضائية– يقوم بنشر أكثر من 30 ألف قمر اصطناعي لتوفير هذه الشبكة السريعة في كل أنحاء المعمورة ، الأمر الذي يجري الآن على قدم وساق في الوقت الذي نحن مشغولون فيه بالوباء ومأمورون بلزوم بيوتنا.

البشرية المعدلة و الثورة الصناعية الرابعة

وبالرغم من أن هذا الجانب التطبيقي لتلك الشرائح قد يبدو مفيداً للوهلة الأولى لكنه خطير من جانبين. أولهما أنه يمكنه أن يحول الإنسان إلى نسخة أخرى من البشرية وبذلك يصبح ماكينة للعمل أو عبد لدى النخب التي تمتلك تلك الشركات ، وأن هذا التغير ستصحبه تأثيرات نفسية وسيكولوجية واخلاقية واجتماعية على البشرية غير محددة . والثاني هو أن هذا الإنسان المتطور سيجعل من المستحيل على الإنسان الطبيعي منافسته في القدرات لأن دماغ الأول موصلة بالموسوعات والمصادر والإمكانات التي لا تتوفر للإنسان الطبيعي ، مما سيدفع أكثر الناس إلى قبول زراعة تلك الشرائح في الدماغ والتحول إلى النسخة المعدلة من البشرية أو كما يطلقون عليها الآن ما بعد الإنسانية أو الإنسانية المتحولة فيصبح الإنسان ذلك القرد بيجر الذي يحركونه كيفما شاؤوا مقابل رشفة من عصير الموز اللذيذ.

الجانب الأخطر من تلك التطبيقات

أما الجانب الأخطر في هذا التطبيق فينبع من عكس عملية استخدام الشرائح . فكل ما سبق كان مبنياً على رصد وترجمة وتنفيذ الإشارات الدماغية الصادرة من المخ البشري لتنفيذ رغبة صاحب الشريحة بطريقة فعالة وسريعة. ولكن يمكن لهذه الشرائح أن تقوم بالدور العكسي وهو إجبار صاحب الشريحة على تنفيذ أوامر خارجية صادرة ممن يملك التحكم في الشريحة عبر أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بها. فكما أن الأقطاب الكهربائية المزروعة في الدماغ يمكنها رصد الإشارات الكهربائية ونقلها لاسلكياً إلى جهاز فك الشفرة ، فإن هذه الأقطاب يمكنها أيضاً نقل إشارات كهربائية صادرة من جهاز التشفير إلى المخ فتقوم هذه الإشارات على تشغيل أجزاء الجسم بالاستجابة لتلك الإشارات رغماً عن إرادة الشخص صاحب الشريحة.

مصير البشرية في ظل هذه التكنولوجيا

وبالإضافة إلى التحكم في تحريك أعضاء الجسم المختلفة يمكنهم أيضاً السيطرة على الإحساس والحواس ، سواء كان ذلك التحكم في الشعور بالألم أو بالهلوسة عن طريق التحكم بالحواس المختلفة ، بل يمكن أيضا التحكم بالمشاعر والأحاسيس المعنوية من خوف أو حب أو كره أو بغض أو عداوة أو غيرها من المشاعر فالعملية كلها عبارة عن إشارات كهربائية تنتقل من الدماغ إلى الأطراف والأعضاء عبر الألياف العصبية فإننا إذا وضعنا جهازاً في الوسط فيمكننا تخطي إرادة الفرد ونجبره على تنفيذ إرادتنا نحن المتحكمين في أجهزة الكمبيوتر الموصلة لاسلكياً بالشرائح. بل ونشر الخوف والهلع أو غيرها من المشاعر . وكلنا نعرف نوعية الأشخاص الذين يتحكمون في العالم الآن بدون تلك الشرائح ونوعية العالم الذي أفرزوه لنا بدون شرائح داخل البشر ، فكيف سيكون ذلك العالم إذا تحكموا فينا عبر تلك الشرائح؟؟

حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس 24)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى